تاريخ اليمن القديم هو التاريخ الذي يتناول الحضارات في بلاد اليمن من الألفية الثانية قبل الميلاد حتى القرن السابع بعده. ينقسم التاريخ القديم لثلاث مراحل: الأولى مرحلة مملكة سبأ والثانية فترة الدول المستقلة وهي مملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين والثالثة عصر مملكة حمير وهو آخر أدوار التاريخ القديم. مرت البلاد بعدة أطر من ناحية الفكر الديني بداية بتعدد الآلهة إلى توحيدها من قبل الحميريين. وشهدت البلاد تواجداً يهودياً منذ القرن الثاني للميلاد.

أغلب مصادر تاريخ اليمن القديم هي كتابات خط المسند بدرجة أولى تليها الكتابات اليونانية. أما كتابات النسابة والإخباريين بعد الإسلام فهي مصادر مهمة، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كامل لعدم قدرتهم قراءة خط المسند واتساع الهوة الزمنية بينهم وبين مملكة سبأ.

كان لليمنيين القدماء نظام زراعي متطور، وعرفوا ببناء السدود الصغيرة في كل واد؛ وأشهر السدود اليمنية القديمة سد مأرب. ازدهرت تجارتهم وكونوا محطات وممالك صغيرة منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية مهمتها حماية القوافل. أسسوا إحدى أهم ممالك العالم القديم المعروفة باسم ممالك القوافل، وعرفت بلادهم باسم بلاد العرب السعيدة في كتابات المؤرخين الكلاسيكية.

تاريخ البحث العلمي:

كان للنمساويين الصدارة في دراسة النصوص اليمنية القديمة، وأشهر هولاء المستشرق إدورد جلازر الذي جمع خلال زياراته الثلاث إلى اليمن حوالي 1032 نقشًا قديمًا. وبالتعاون مع صديقه الفرنسي جوزيف هاليفي الذي درس وحده 800 نقش في القرن التاسع عشر، ودخل اليمن وتجول بأرجائها كيهودي متسول ليقي نفسه تحرشات القبائل. كانت هناك محاولات متواضعة من مستشرقين إيطاليين ودنماركيين في القرن السادس عشر إلا أنها لم تكن مثمرة. بعد الحرب العالمية الأولى، بدأ عدد من الباحثين المصريين والسوريين “كشيخ الآثريين” أحمد فخري، وله كتابان عن اليمن وتاريخها القديم، بزيارة اليمن والمشاركة في أعمال التنقيب والحفريات. أما أول أمريكي يزور اليمن فكان الباحث ويندل فيليبس وعدد آخر من الباحثين مثل ألبرايت وألبيرت جامه. ثم كان كتاب المؤرخ العراقي الراحل جواد علي المعنون المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، وفيه أبدى الدكتور جواد رأيه في كثير من المسائل وأطروحات المستشرقين فلم يكن متوافقا معهم كليا ولا مجرد ناقل، بل تناول كتاباتهم وكتابات المؤرخين العرب بالنقد والتمحيص كذلك، فهي أبحاث علمية تحتمل الخطأ والصواب.

في عام 1987 قام الباحث الألماني ويرنر دوم بزيارة اليمن وتأليف كتاب “اليمن: ثلاثة آلاف سنة من الفن والحضارة في العربية السعيدة”، تطرق فيها الكاتب لأبحاث حديثة حول تاريخ الفنون والتماثيل والمعتقدات الدينية. المكتشف من نصوص خط المسند يمثل نسبة ضئيلة للغاية من تاريخ سبأ واليمن بشكل عام، والدراسات قليلة وغير وافية ومعظم النقوش نُسخ من قِبل سياح ومستشرقين دخلوا اليمن متنكرين خوفاً على حياتهم، ولم تتوفر لهم فرصة لدراسة النصوص والمعابد بشكل دقيق. فضلاً أن كل المُكتشف الذي تم دراسته عثر عليه على ظاهر الأرض، وما تحتها يتجاوز ذلك. كل هذه معوقات لا تسمح بتكوين صورة دقيقة ومكتملة عن التطور السياسي للسبئيين وهو ما فتح باباً للجدال واختلاف الآراء والتفسيرات حول دلالات المُكتشف من النصوص. وللأسف فإن الأبحاث الأثرية الحديثة في اليمن تتعرض لمضايقات وعرقلة بسبب الاضطرابات السياسية المتواصلة.

يجب أن تقرأ كتابات النسابة وأهل الأخبار بحذر وتمحيص شديد لأن مجال الوضع والكذب فيها واسع. ولاحظ الباحثون في العصر الحديث أن الموارد الإسلامية تحتوي شيئاً من الصحة عن التاريخ العربي قبل الإسلام إذا تعلق الأمر بالقرن السادس الميلادي على أكثر تقدير. كان المؤرخون المسلمون يعتمدون على الشعر لإثبات حوادث تاريخية، فيزعمون أن ملكاً أو فارساً أنشد شعراً في موقعة ما وبذلك تكون الفكرة التي أرادوا إيصالها مثبتة تاريخياً في نظرهم، ووصل بهم الأمر إلى نسب أبيات شعرية إلى آدم بل إبليس نفسه. وحتى إن نقلوا من مصادر مدونة فإنهم يقحمون آراءهم وينقلون عنها من منطلق الواعظ والناصح. لذلك اختلف المؤرخون المسلمون عن اليونان والبيزنطيين كثيراً: فكتابات اليونان وإن عابتها توجهات سياسية إلا أنها أكثر موثوقية.

وعلى هذا فإن قصص الإخباريين والنسابة ضعيفة ما تعلق الأمر بالتاريخ العربي قبل الإسلام عموماً والتاريخ اليمني بشكل خاص لأن اليمنيين كانوا يدونون بخط المسند وذكروا في كتابات اليونان والبيزنطة ومع ذلك لم يكلف النسابة والإخباريين أنفسهم الرجوع لتلك المصادر باستثناء قليل منهم كان على اطلاع على كتابات السريان. وقد تنبه مؤرخون مسلمون في عصور لاحقة لذلك وانتقدوا أساليب من سبقهم مثل ابن خلدون. ولكن من بين الإخباريين الذين بذلوا جهداً معقولاً في هذا الجانب كان المؤرخ والجغرافي اليمني أبو محمد الهمداني مؤلف صفة جزيرة العرب، إذ كان من القلائل الذين حاولوا قراءة نصوص المسند على الأقل، وقد زار المواقع الأثرية بنفسه ودون ما رآه وهو مجهود لم يفعله أحد من المؤرخين المسلمين. ولكنه مع ذلك وقع في أخطاء فادحة

الأصول:

ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحضارات القديمة منبثقة من حضارات بدائية قامت في العصر البرونزي (امتدادًا للعصور الحجرية) في اليمن أم أنهم نازحون من مناطق أخرى خلال العصر الحديدي. البعض يعتقد أن السبئيين وغيرهم كانوا امتداداً لحضارات بدائية قديمة جداً قامت في اليمن، إلا أن الارتباط اللغوي للعرب الجنوبيين مع الكنعانيين بالذات يرجح نزوحهم إلى الجنوب على رأي علماء المدرسة الألمانية القديمة. وتبقى هذه مجرد نظرية، فسبب النزوح إن حدث فعلا لا يزال غير معروف. اكتشفت كتابة مصرية عن تلقي تحتمس الثالث هدايا من يمنيين في القرن الخامس العشر قبل الميلاد، وهذه الهدايا كانت بخورًا مما يدل على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق إنتاج البخور ويضعف فرضية النزوح في العصر الحديدي. كشفت أبحاث قصيرة في عام 2001 عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد.

ذكرت التوراة ما يٌفترض أنه نسب سبأ ثلاث مرات مختلفة فذكر سبأ من نسل الشخصية التوراتية إبراهيم من ولد اسمه “قيشان” كان شقيقاً لمدين الذي أنجب ديدان. وذكرت التوراة كذلك أن السبئيين كانوا يغيرون على أيوب ويسرقون ه ويقتلون الأطفال وهي تعطي دلالة أن عدداً من السبئيين كان بدوياً ويغير على المزارعين في مواقع قريبة من اليهود. وذكرت التوراة أيضا سبأ أخرى شقيقة لحضرموت ومن أبناء يقطان بن عابر وهو الادعاء الذي تمسك به النسابة والإخباريون الذين ظهروا بعد الإسلام. وأنهم كانوا يسكنون “ميشع” ونزحو إلى “سفار”، ويعتقد الباحثون أن المقصود بسفار عند اليهود هو ظفار يريم. وذكروا سبأ من نسل كوش وهي إشارة لشرق أفريقيا. إن أثبت هذا التعدد شيئاً، فهو امتداد نفوذ السبئيين إلى عدة مناطق، وتعدد المناطق التي قدمت منها القوافل السبئية خلط الأمور على اليهود.

ذكر الباحثون في سياسة العرب الجنوبيين تكوين مستعمرات وتمهيد الطرق للقوافل، وبناءً على ذلك فلا شك أن جماعة من السبئيين كانوا يسكنون على مقربة من أرض كنعان. وقد عثرت بعثة اسكتشاف أمريكية على آثار من النحاس والحديد وكتابات بخط المسند تعود إلى القرن الثامن ق.م في موقع تل الخليفة بالأردن يرى الباحثون أن لها علاقة بالمعينيين في العلا. هذا لا يعني اعتبار التوراة مرجعًا ولكن الوارد فيها قد يعطي لمحة لبعض التواريخ. وقد عثر الأثريون على كتابات سبئية ومعينية في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية في قرية الفاو بل في العراق كذلك في موقع وركاء على شاهد قبر قديم. واكتشفت كتابات معينية في ميناء عصيون جابر وهو حسب العهد القديم أحد الموانئ المهمة للملك سليمان وكتابات مشابهة في القطيف. ورد في نصوص سومرية كلمة “سبا” في كتابة “لجش تلو” ويعتقد أن المقصود أرض سبأ وذلك منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد.، وقال هومل أن كلمة “سابوم” الواردة في نصوص لملوك أور هي ذاتها سبأ المذكورة في العهد القديم والقرآن.

كان التبادل التجاري مبلغ علم العبرانيين، فلا يوجد في كتبهم سوى أن السبئيين كانوا أثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة. المهم في هذه الكتابات اليهودية هو توصيفها لحال الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية. وقد وجدت كتابات تصف وضعا مشابها في كتابات اليونانيين والرومان. كانت الكتابات اليونانية في البداية مبالغًا فيها ويشوبها عنصر الأسطورة ولكنها تحسنت بعد الاتصال المباشر لليونانيين باليمنيين القدماء. زيادة أطماع اليونان السياسية كانت دافعًا لهم لدراسة الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، ودراسة مواطن ضعفه حتى أنهم خزنوا ما كتبوه عن اليمن القديم في خزانة مكتبة الإسكندرية واعتبروه من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها العامة.

أما الوارد بشأن جرهم وإسماعيل فهي قصص متأثرة بتراث ديني والتأكد منها من ناحية الآثار يكاد يكون مستحيلا. ورد اسم قحطان ولكن في كتابات مسندية متأخرة للغاية عن القرن الثاني عشر أو التاسع قبل الميلاد، ولم تكن بالصورة التي صورها الإخباريون؛ فقد جاء ذكر قحطن كاسم أرض تابعة لأحد ملوك كندة. رغم أن عدد النقوش والآثار المكتشفة يتجاوز العشرة الآف نقش، إلا أن الباحثين يعتقدون أن ما تحت الأنقاض يتجاوز ذلك بكثير.